الرأي الخامس :
ويذهب إلى القول بأن جنوب غرب جزيرة العرب اليمن هو الموطن الأصلي للساميين نظرا لخصب تلك المناطق ولوجود بعض الألفاظ المشتركة بين اللغتين السبتية والعبرية هذه هي المناطق التي دار حولها التخمين بأن أحدهما لابد هو الموطن السامي الأول وإذا نظرنا على تلك المواقع التي افترض العلماء أن موطن الساميين لا يخرج عن واحد منها وجدناها في معظمها تقع على تخوم جزيرة العرب و مشارفها سواء من شمالها الشرقي أو شمالها أو شمالها الغربي أو جنوبها الغربي أو غربها, وهذا يؤكد أن الساميين لابد قد خرجوا من جزيرة العرب طلبا للماء والكلا. وقد دفعت بهجرات متتالية عمرت مناطق شاسعة من شرق البحر المتوسط ووادي النيل والساحل الغربي للبحر الأحمر حتى عدت هذه الجزيرة مصدرا هاما للهجرات البشرية فقد ذهب معظم المؤرخين إلى القول بأن مصادر الهجرة البشرية ثلاثة أواسط آسيا بالنسبة لشرق آسيا. وأستراليا وشمال أوروبا والجزيرة العربية بالنسبة لحوض البحر المتوسط وإفريقيا ووادي النيل وجنوب إفريقيا وأمريكا مصدر هجرتها غير محدد ومعروف فليس لنا بد من أن تتمثل ما يذكره العلماء من أن الجزيرة العربية كانت في حقبة من الحقب مصدرا يوزع على العالم الثروة البشرية أما السبب في تلك الهجرات من داخل الحزيرة العربية إلى خارجها فيعود إلى ما أصابها من جفاف لأنهارها وتصحر لأراضيها مما أجبر سكانها على الهجرة ويؤكد لنا جواد على هذا الأمر بقوله وقد رأى بعض العلماء أن جزيرة العرب كانت في عصر البلايستوسين Pleistocene خصبة جدا كثيرة المياه تتساقط عليها الأمطار بغزارة في جميع فصول السنة وذات غابات كبيرة وأشجارها ضخمة كالأشجار التي نجدها في الزمان الحاضر في الهند وإفريقيا وأن جوها كان خيرا من حو أوروبا في العصور الجليدية التي كانت تغطي الثلوج معظم تلك القارة مك ثم أخذ الجو يتغير في العالم فذابت الثلوج بالتدريج وتغير جو بلاد العرب بالطبع حدث هذا التغير في عصر النيوليتك Neolithic أو عصر الكالكوليتك Chalcolithic ولم يكن هذا التغير في مصلحة جزيرة العرب لأنه صار يقلل من الرطوبة ويزيد في الجفاف ويحول رطوبة التربة إلى يبوسة فيميت الزرع بالتدريج ويهيج سطح القشرة فيحولها رمالا وترابا ثم صحاري لا تصلح لإنبات ولا لحياة الأحياء وما يجعلنا نجزم بأن الجزيرة العربية كانت ذات جو مطير وذات غابات وأشجار قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض وحتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا فالرسول عليه الصلاة والسلام في قوله حتى تعود يؤكد أن هذه الجزيرة كانت مروجا وانهارا لكثرة الأمطار وطيب الجو وأنها ستعود كما كانت مروجا وانهارا وهذا ما ذكره كثير من المؤرخين عن طبيعة جزيرة العرب وصفات أنهارها.
وخصائصها وأن مناخها قد تغير لتصير إلى الجفاف والتصحر وهناك رأي آخر يذهب إلى أن الموطن الأصلي للساميين هو جزيرة العرب, وقد قال بهذا الرأي عدد كبير من العلماء والمستشرقين, يقول الدكتور حسن ظاظا : "هناك رأي أخير ذهب إليه من أوائل المستشرقين إيرهارد شرادر وايده من بعد فنكلر, وتيله . والأب فنسان . والأثري الفرنسي جاك دي مورجان, والمستشرق الايطالي كايتاني, وهو يرى أن الموطن الأصلي للساميين كان شبه الجزيرة العربية وهذا ما أكده إسرائيل ولفنسون بقوله :"والذي يمكننا أن نجزم به هو أن أكثر الحركات والهجرات عند أغلب الأمم السامية التي علمنا أخبارها وأسماءها كانت من نزوح جماعات سامية من أرض الجزيرة إلى البلدان المعمورة الدانية والقاصية في عصور مختلفة, فأقدم مجرة سامية اتجهت إلى بابل كانت من ناحية جزيرة العرب.... وكذلك هاجرت البطون الكنعانية والآرامية تاركة بلاد العرب, وكان لحوادثها أثر عظيم في حياة العالم القديم, ثم كانت الهجرة الإسرائيلية التي فتحت بلاد فلسطين بعد أن صدرت من الجزيرة العربية . وقد كان شبرنكر أول القائلين عام 1861م بان اواسط شبه الجزيرة هي الموطن الأول للساميين.
ندرك مما سبق أن العلماء والمؤرخين يكادون يجمعون على أن جزيرة العرب هي الموطن الأصلي لتلك القبائل والشعوب التي هاجرت منها متاثرة بما أصابها من جفاف وتصحر أدى إلى تعسر الحياة فيها وأوجب الرحيل عنها طلبا للماء والمرعى, وقد أطلق على هذه القبائل " القبائل السامية " بناء على ذلك الافتراض الذي يزعم أنها من نسل سام بن نوح ، ولكن لم كانت هذه البلاد وطنا لسام ؟ هل أن سفينة نوح قد رست فيها ؟ أم أن ساما وذريته قد وجدوا في مكان آخر ثم هاجروا إليها؟ وإن كانوا قد هاجروا إليها, فما سبب هجرتهم ؟ ومن أين أتوا ؟ ثم إن المكان الذي سكنوه قبل هجرتهم إلى جزيرة العرب أولى بان يسمى موطنهم الأصلي . أسئلة كثيرة تجعلنا أمام حيرة واضطراب, لكن هذه الحيرة وهذا الاضطراب يمكن تبديدهما إذا قلنا أن هذه الشعوب والقبائل شعوب وقبائل عربية وجدت في جزيرة العرب منذ فجر التاريخ وعاشت في هذه البلاد وشيدت فيها حضارات علمنا بعض اخبارها مما توفر من نقوش تدل على ذلك . وبعد أن بدأ التصحر يلف هذه البلاد . تحركت تلك القبائل في هجرات متتالية خارج مناطق التصحر والجفاف باحثة عن أسباب الحياة والاستقرار التي ترتبط بالماء والكلأ .فكانت القبيلة أو المجموعة المهاجرة تبقى سائرة إلى أن تجد ضالتها فتحط عصا الترحال وتقيم في ذلك المكان ، ولم تكن كل القبائل لتسير في نفس الطريق وتتجه نفس الاتجاه فاستقر بعضها في الشمال الشرقي للجزيرة العربية في جنود العراق وعلى سواحل الخليج.