الفصل الخامس عشر منهج الوحدات الدراسية :
الأسئلة والحق أن تحديد مفهوم الوحدة الدراسية قد أثار جدلاً كثيراً منذ ظهور هذا التنظيم ومن التي كانت تطرح في هذا السياق.
مفهوم الوحدة الدراسية؟
يؤكد ظهور الوحدات الدراسية في الأوساط التربوية أن محاولات خبراء المناهج لم تتوقف من أجل ابتكار مناهج مدرسية أكثر مرونة وتطورا ومسايرة لروح العصر الحديث تلك الروح التي ترنو إلى إبراز وحدة المعرفة وربط الدراسة بالحياة كما تنزع إلى جعل المتعلم أكثر نشاطا وإيجابية ومبادأة ومن أجل تعزيز تلك المفاهيم التربوية ظهر منهج الوحدات الدراسية محاولا تلافي أوجه القصور التي شابت المناهج التقليدية ولا سيما منهج المواد الدراسية الذي كان يحتفي بالجوانب المعرفية دون غيرها وبتجزأة المعرفة وعزل المدرسة عن واقع الحياة.
هل الوحدة الدراسية منهج مدرسي أم طريقة لتنظيم المنهج أم أسلوب في التدريس لعل الوقوف على نشأة هذه الوحدات يجيب عن تلك الأسئلة ويعطينا تصوراً واضحاً لمفهومها ؟
بالاطلاع على الأدبيات التربوية التي تناولت تاريخ نشأة الوحدات الدراسية نقف على أن أول من وضع اللبنات الأولى لهذا النمط هو موريسون Morison الذي أعد خطة في عام ١٩٢٦م لتحقيق الوحدة بين عدة موضوعات عن طريق تدريس المنهج في صورة وحدات مترابطة يقوم المعلم بالتشاور مع المتعلمين لاختيار وحدة تعليمية معينة ثم يتعاونون معا في تحديد أهدافها واختيار محتواها وتحديد أنشطتها والخبرات التي لابد للمتعلمين من المرور بها ثم يرسمون خطة لتنفيذها فيبدأ المتعلمون بعد ذلك بالعمل تحت توجيه معلمهم ونتيجة لأعمال موريسون وغيره من التربويين بدأ مفهوم الوحدة الدراسية يتبلور في الأذهان شيئاً فشيئاً وأخذت كثير من المدارس تأخذ بهذا المفهوم فظهرت وحدات دراسية متعددة في كثير من الموضوعات الدراسية وكانت تلك الوحدات تختلف في شكلها وفي محور تركيزها وفي درجة تنظيمها فبرزت على سبيل المثال وحدات تركز على المادة الدراسية وأخرى تهتم بالخبرات التعليمية الأمر.
الذي أثار كما أشرنا جدلاً حول تحديد مفهوم الوحدة فمن التربويين من رأي أن الوحدات الدراسية ما هي إلا منهج تطور خلال السنوات الأخيرة نتيجة للتطورات التربوية المتلاحقة ورأى آخرون أن الوحدات الدراسية ما هي إلا طريقة لتنظيم المنهج وإعداده وتنظيم تنفيذه في حين ذهب فريق ثالث إلى أن الوحدات الدراسية لا تعدو أن تكون أسلوباً جديداً في التدريس ولعل الذي أدى إلى تعدد وجهات النظر حول مفهوم الوحدات الدراسية هو أنها تتضمن جانبين أساسيين :
الجانب الأول يهتم بطريقة اختيار موضوع الوحدة
الجانب الثاني يهتم بطريقة تدريس ذلك الموضوع وتوجيه أنشطة المتعلمين
فمنشأ الخلاف إذن يرجع إلى الزاوية التي ينظر إليها كل فريق فيأتي تعريفه للوحدة موافقاً لهذه الزاوية أو تلك
ومن أشهر تعريفات الوحدة الدراسية ما ذكره جود Good بأنها تنظيم للنشاطات والخبرات وأنماط التعليم المختلفة حول هدف معين أو مشكلة معينة تحدد بالتعاون بين مجموعة من المتعلمين ومعلمهم ويشتمل هذا التخطيط على تنفيذ هذه الخطط وتقويم النتائج.
ومن تعريفاتها أيضاً أنها تنظيم خاص في مادة الدراسة وطريقة التدريس تضع المتعلمين في موقف تعليمي متكامل يثير اهتمامهم ويتطلب منهم نشاطاً متنوعا ويؤدي إلى مرورهم في خبرات معينة و إلى تعلمهم تعلماً خاصاً ويترتب على ذلك كله بلوغ مجموعة من الأهداف الأساسية المرغوب فيها.
فالوحدة بهذا المعنى جزء من المنهج تجمع بين كونها طريقة لتنظيم المنهج وكونها أسلوباً للتدريس ولا تعارض بين الأمرين إذ من المسلم به منذ أمد بعيد في ميدان المناهج أن طريقة تنظيم المحتوى تتضمن أسلوب تدريسه ونقله إلى المتعلمين.
وتهتم الوحدات الدراسية بجميع هذه النواحي دفعة واحدة بحث يكون تقديم المعرفة أساسا لبناء ميول واتجاهات وقيم جديدة وتفكير ناقد بناء ذلك لأن الدراسة فيها تقوم على أساس مواجهة مواقف طبيعية تتصل بحاجات الدارسين ومشكلاتهم فتستثير دوافعهم ويقبلون عليها بفكر متفتح يحددون مشكلاته ويفكرون في تكوين الميول واكتساب الاتجاهات ودعم القيم وتوجيه السلوك وبذلك ترتبط جوانب الخبرة وتتكامل بصورة مثلى.
توثق الوحدة الصلة بين المدرسة والحياة
المشكلة إن العزلة التي فرضتها مناهج المادة الدراسية بصورتها التقليدية بين المدرسة والحياة تساعد التلاميذ أحياناً على اكتساب اتجاهات وقيم متناقضة يستمدون بعضها من المدرسة والبعض الآخر من البيت أو المجتمع أو وسائل الإعلام أو مواقف حياتهم وحلا لهذه ينبغي صياغة المناهج صياغة جديدة بحيث تجعل ما يحصله التلاميذ من علم ومعرفة عونا لهم على مواجهة الحياة من جهة وتجنب الصراع بين الميول والاتجاهات والقيم من جهة أخرى كما ينبغي أن يكون التعاون بين المدرسة والبيت والمجتمع وثيقاً تجنباً لأسباب التناقض والخلاف وهكذا نرى أن مبدأ التكامل الذي تقوم على أساسه فكرة الوحدات الدراسية إنما يمكن تحقيقه على أساس تكامل المعرفة من جهة وتكامل جوانب الخبرة من جهة ثانية وتكامل الأهداف من جهة ثالثة وتكامل الحياة داخل المدرسة وخارجها من جهة رابعة
تقوم دراسة الوحدات على أساس النشاط
النشاط في الوحدة الدراسية جزء أساس ومهم ينخرط فيه التلاميذ ويمارسونه ويعملون جنبا إلى جنب في جماعات تعاونية داخل الفصل أو المعمل أو الورشة أو البيئة وبذلك تنمو ميولهم المشتركة ويتقاسمون الأغراض والأفكار ويقترحون أنشطة جديدة من أجل بناء عادات ومثل اجتماعية مرغوب فيها
إن تأكيد جانب النشاط في الوحدة الدراسية أمر مهم ذلك أن الوحدة يمكن أن تؤخذ كأساس لبناء منهج مدرسي كامل ولذلك فإثراء الوحدة الدراسية بالخبرات والأنشطة المتنوعة ضمان لنجاحنا في تطوير المنهج وتطويعه للوفاء بحاجات الفرد ومتطلبات المجتمع من جهة ولتوفير مبدأ إيجابية المتعلم من ناحية ثانية ولربط الدراسة بالحياة من ناحية ثالثة
فإن التلاميذ يتناولون بالدراسة نواحي بيولوجية متعددة تتصل بتتبع قصة حياتهم من الميلاد حتى يصيروا مراهقين وبدراسة أثر كل من الوراثة والبيئة في تكوينهم ويفهمون مغزى التغيرات الجسمية التي تحدث لهم في مرحلة المراهقة كما تتطرق دراسة الوحدة إلى كثير من النواحي النفسية المتصلة بفهم سلوكهم ومشكلاتهم النفسية وأزماتهم كما تتيح لهم هذه الوحدة دراسة قدراتهم الشخصية وميولهم وطرق استغلالها وفي الوحدة أيضا مجال لدراسات اجتماعية تتصل بإدراك أثر الأصدقاء والعائلة والبيئة الاجتماعية على سلوك الفرد كما تتصل بدراسة الطرق الناجحة في معاملة الناس وكسب الأصدقاء ومن الممكن أن تمس الوحدة بعض النواحي الفلسفية التي تتصل بفهم أسباب اختلاف القيم والمثل العليا التي يعتنقها الأفراد وبأهمية التعاون مع الغير على الرغم من اختلاف العقائد والفلسفات إلى غير ذلك من مجالات