وطن الساميين الأصلي؟
اختلف الباحثون اختلافاً شديداً في تعيين الموطن الأصلي للساميين وتباينت آراؤهم في تحديد البقعة التي عاش فيها سام بن نوح وذريته وحاول كل فريق أن يتلمس بعض الأمور التي يدعم بها زعمه وأن يجد له سندا يعتمد عليه فلجا فريق منهم إلى الأساطير والمأثورات القصصية وما دار حول الطوفان وسفينة نوح والمكان الذي رست فيه ولجأ بعضهم إلى الاعتماد على تشابه بعض الكلمات في لغات تلك القوام كألفاظ أسماء النباتات والحيوانات واعضاء الإنسان وبعض الظواهر الطبيعية ولجا فريق آخر إلى الاعتماد على خصب البقعة التي زعم أنها موطن سام فالأرض الخصبة لابد من أن تكون مكانا للعيش ومهدا للحضارة ويمكن استخلاص خمسة آراء في تحديد هذا الموطن كلها لا يعتد بها في هذا الأمر ولا يعول عليها في تحديد موطن حقيقي للساميين وهذه الآراء هي:
قال به كل من إرنست رينان وفرانسوا لتورمان وفرينز هومل وييترز واغناطيوس جويدي ويذهب القول بان موطن الساميين الأصلي هو شمال شرق جزيرة العرب أي جنوب العراق وذلك لوجود بعض الكلمات التي اللغات السامية المختلفة كأسماء النباتات والحيوانات وغيرها هذا ما جعل جويدي يجزم بأن سهول تتشابه في العراق لابد أن تكون الموطن الأصلي للساسيين ولاسيما إذا أضفنا إلى ذلك أن الباباية الاشورية توجد منها الصوص مكتوبة منذ الألف الرابع قبل الميلاد وهي أقدم كتابة في تاريخ الساميين على الإطلاق ويعلق الدكتور حسن مليل على هذا الزعم بقوله ولكن هذه النظرية أيضا مجروحة لسبب بسيط جدا وهو أن أحد الملوك الساميين الأول في العراق وهو الملك سرجون الأول الأكادي حوالي سنة 2600 قبل الميلاد كتب عن أصله في نقش مشهور ما بفهم منه صراحة أنه وعشيرته نزحوا إلى العراق من شرقي جزيرة العرب.
ويذهب إلى أن مرتفعات کردستان وأرمينيا هي موطن الساسيين الأصلي معتمدا على كثير من الأساطير التوراتية والماثورات القصصية التي تدور كلها حول تحديد المكان الذي رست فيه سفينة نوح بعد الطوفان وزعم أنه جبل ارارات بارمينيا وهذا الفرض ليس صحيحا إذ لو كانت سفينة نوح قد رست في هذه المنطقة لكانت هذه لمنطقة موطنا لجميع البشرية لا للساميين وحدهم.
ويقول أن إفريقيا وبلاد الحبشة هي ذلك الموطن الأصلي للساميين وكان المستشرق تيودور نولدکه أشهر من قال بهذا الرأي معتمدا على بعض التشابه بين اللغات السامية والحامية التي يذهب بعض العلماء إلى اعتبارها لغة سكان إفريقيا الحاميين ويمكن دحض هذا الرأي بالسؤال الآتي لم اندثرت اللغات السامية من إفريقيا وبقيت العامية.
فيذهب إلى أن بلاد سوريا أرض كنعان هي الموطن الأصلي لهؤلاء الأقوام وبه قال المستشرق الأمريكي كلاي وهو افتراض تعوزه الدقة لأنه بني على بعض المقارنات بين الأساطير والماثورات الشعبية وحاول أن يستنتج رايه هذا من تلك المقارنات وهي دراسة لا يعتمد عليها لإثبات حقائق علمية خاصة إذا كانت تلك الحقيقة تعيين وطن أصلي لأقوام عاشت في عصور سحيقة من القدم ولا يستطيع أحد أن يعرف عنهم شيئا إلا بالاعتماد على الكشوف الأثرية والحفريات وما يكتشف من نقوش تشير إلى بعض جوانب حياتهم أو تدل على بعض أخبارهم.
ويذهب إلى القول بان جنوب غرب جزيرة العرب اليمن هو الموطن الأصلي للساسين نظرا لخصب تلك المناطق ولوجود بعض الألفاظ المشتركة بين اللعنين السبئية والعبرية هذه هي المناطق التي دار حولها التخمين.
لابد هو الموطن الساسي الأول وإذا نظرنا على تلك المواقع التي افترض العلماء أن موطن الساميين لا يخرج عن واحد منها وجدناها في معظمها تقع على تخوم جزيرة العرب و مشارفها سواء من شمالها الشرقي أو شمالها أو شمالها الغربي أو جنوبها العربي أو غربها وهذا يؤكد أن الساميين لايد قد خرجوا من جزيرة العرب طلبا للماء والكلا وقد دفعت بهحرات متتالية عمرت مناطق شاسعة من شرق البحر المتوسط ووادي النيل والساحل الغربي للبحر الأحمر حتى عدت هذه الجزيرة مصدراً هاما للهجرات البشرية فقد ذهب معظم المؤرخين إلى القول بأن مصادر الهجرة البشرية ثلاثة أواسط آسيا بالنسبة لشرق آسيا وأستراليا وشمال أوروبا والجزيرة العربية بالنسبة لحوض البحر المتوسط وإفريقيا ووادي النيل وجنوب إفريقيا وأمريكا مصدر هجرتها غير محدد ومعروف فليس لنا بد من أن نتمثل ما يذكره العلماء من أن الجزيرة العربية كانت في حقبة من الحقب مصدرا يوزع على العالم الثروة البشرية أما السبب في تلك الهجرات من داخل الجزيرة العربية إلى خارجها فيعود إلى ما أصابها من جفاف لأنهارها وتصحر لأراضيها مما أجبر سكانها على الهجرة ويؤكد لنا جواد علي هذا الأمر بقوله وقد رأى بعض العلماء أن جزيرة العرب كانت في عصر البلايستوسين Pleistocene خصبة جدا كثيرة المياه تتساقط عليها الأمطار بغزارة في جميع فصول السنة وذات غابات كبيرة وأشجارها ضخمة كالأشجار التي نجدها في الزمان الحاضر في الهند وإفريقيا وأن جوها كان خيرا من جو اوروبا في العصور الجليدية التي كانت تغطي الثلوج معظم تلك القارة ثم أخذ الجو يتغير في العالم فذابت الثلوج بالتدريج وتغير جو بلاد العرب بالطبع حدث هذا التغير في عصر الفيوليتك Neolithic أو عصر الكالكوليتك Chalcolithic ولم يكن هذا التغير في مصلحة جزيرة العرب لأنه صاد يقلل من الرطوبة ويزيد في الجفاف ويحول رطوبة التربة إلى يبوسة فيميت الزرع بالتدريج ويهيج سطح القشرة فيحولها رمالا وترابا ثم صحاري لا تصلح لإنبات ولا لحياة الأحياء وما يجعلنا نجزم بأن الجزيرة العربية كانت ذات جو مطير وذات غابات وأشجار قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض وحتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا فالرسول عليه يؤكد أن هذه الجزيرة كانت مروجا وأنهارا لكثرة الأمطار وطيب الجو الصلاة والسلام في قوله حتى المؤرخين عن طبيعة جزيرة العرب وصفات أنهارها ستعود كما كانت مروجا وأنهارا ما ذكر.